فصل: تفسير الآيات (85- 87):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (85- 87):

قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان المتعنت ربما قال: ما له يخلقهم ثم يهلكهم وهو عالم حين خلقهم أنهم يكذبون؟ وكانت هذه الآية ملتفتة- مع ما فيها من ذكر الأرض- إلى تلك التي أتبعها ذكر الخافقين، استدلالًا على الساعة، قال على ذلك النمط: {وما خلقنا} أي على عظمتنا {السماوات} أي على ما لها من العلو والسعة {والأرض} على ما بها من المنافع والغرائب {وما بينهما} من هؤلاء المكذبين وعذابهم، ومن المياه والرياح والسحاب المسبب عنه النبات وغير ذلك {إلا بالحق} أي خلقًا ملتبسًا بالحق، فيتفكر فيه من وفقه الله فيعلم النشأة الآخرة بهذه النشأة الأولى، أو بسبب الحق من إثبات ثوابت الأمور ونفي مزلزلها، لتظهر عظمتنا بإنصاف المظلوم من الظالم، وإثابة الطائع وعقاب العاصي في يوم الفصل- إلى غير ذلك من الحكم كما قال تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} [النجم: 31]. فمن أمهلناه في الدنيا أخذنا منه الحق بعد قيام الساعة، فلابد من فعل ذلك {وإن الساعة لآتية} لأجل إقامة الحق لا شك في إتيانها لحكم علمها سبحانه فيظهر فيها كل ذلك، ويمكن أن يكون التقدير: فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون، وما فعلنا ذلك إلا بالأمر من قولنا كن وهو الحق {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} أي بالأمر {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54]. يعني أنه لا مشقة علينا في شيء من ذلك، وسنعدم ذلك بالحق إذا أردنا قيام الساعة، وأن الساعة لآتيه، لأنا قد وعدنا بذلك، وليس بينكم وبين كونها إلا أن نريد فتكون كما كان غيرها مما أردناه {فاصفح الصفح} أي فأعرض- بسبب تحقق الأخذ بثارك- الإعراض {الجميل} بالحلم ولإغضاء وسعة الصدر، في مثل قولهم {يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} فإنه لابد من الأخذ لك منهم بالحق ولو لم يكن لك نصرة إلا في ذلك اليوم لكانت كافية؛ ثم علل هذا الأمر بقوله: {إن ربك} أي المحسن إليك الآمر لك بهذا {هو} أي وحده {الخلاّق} المتكرر منه هذا الفعل في كل وقت بمجرد الأمر، فلا عجب في إيجاد ما ينسب إليه من إبداع الساعة أو غيرها، وهو لذلك عالم بأحوالكم أجمعين وما يكون منها صلاحًا لك على غاية الحكمة، لأن المصور أعلم بالصورة من ناظرها والمتبصر فيها، وصانع الشيء أدرى به من مشتريه، وباني البيت أخبر به من ساكنه، وهو الذي خلق كل ما تراه منهم فهو فعله فسلم له.
ولما كان إحكام المصنوعات لا يتم إلا بالعلم، قال تعالى: {العليم} أي البالغ العلم بكل المعلومات، فلا ترى أفعالهم وأقوالهم إلا منه سبحانه لأنه خالقها، وقد علمت أنه لا يضيع مثقال ذرة فاعتمد عليه في أخذ حقك، فإنه نعم المولى ونعم النصير، ولا يخفي عليه شيء منه؛ ويدل على ما قلته آية يس.
{أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم} [يس: 81]. أو يقال: فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون شيئًا مما أردنا من الحق، لأنا ما خلقنا عذابهم إلا بالحق كما خلقناهم بالحق، فلم يمتنع علينا شيء من ذلك {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} أي بسبب إقامة الحق وإظهار أمرنا في العدل، ولولا أن سلطنا بعض الناس على بعض لم يظهر لهم منا هذه الصفة غاية الظهور، فنحن نعجل من الحق الذي خلقنا ذلك بسببه على قيام الساعة- ما شئنا من الابتلاء والانتقام كما فعلنا ممن قصصنا أمرهم، ونؤخر من ذلك ما بقي إلى قيام الساعة {وإن الساعة لآتية} لا شك فيها، فلا ندع هناك شيئًا من الحقوق إلا أقمناه {فأصفح الصفح الجميل} فلابد من الأخذ لك بحقك إما في الدنيا وإما في الآخرة أن أي لأن {ربك هو الخلاّق} أي الفاعل للخلق مرة بعد مرة، لا تنفذ قدرته ولا تهن كلمته {العليم} التام العلم، فهو قادر على ذلك عالم بوجه الحكمة فيه في وقته وكيفيته، فهو يعيد الخلائق في الساعة كما بدأهم، ويستوفي إذ ذاك جميع الحقوق ويؤتيك في ذلك اليوم ما يقر به عينك.
ولما ذكر صفة العلم بصيغة المبالغة، أتبعها ما آتاه في هذه الدار من مادة العلم بصيغة العظمة، فقال عطفًا على ما قدرته مما دل عليه السياق: {ولقد آتيناك} مما يدل على علمنا {سبعًا من المثاني} وهي الفاتحة الجامعة على وجازتها جميع معاني القرآن فتثني في النزول فإنها نزلت مرتين، وتثني في كل ركعة من الصلاة، وهي ثناء على الله والصالحين من عباده، وهي مقسومة بين الله وعبده، وتثني فيه مقاصدها، ويورد كل معنى من معانيها فيه بطرق مختلفة في إيضاح الدلالة عليه في قوالب الألفاظ وجواهر التراكيب الهادية إليه- وغير ذلك من التثنية {والقرآن العظيم} أي الحاوي لجميع علوم الأولين والآخرين مما في جميع الكتب السالفة وغيره. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)}
اعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أهلك الكفار فكأنه قيل: الإهلاك والتعذيب كيف يليق بالرحيم الكريم.
فأجاب عنه بأني إنما خلقت الخلق ليكونوا مشتغلين بالعبادة والطاعة فإذا تركوها وأعرضوا عنها وجب في الحكمة إهلاكهم وتطهير وجه الأرض منهم، وهذا النظم حسن إلا أنه إنما يستقيم على قول المعتزلة، قال الجبائي: دلت الآية على أنه تعالى ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا حقًا وبكون الحق لا يكون الباطل، لأن كل ما فعل باطلًا وأريد بفعله كون الباطل لا يكون حقًا ولا يكون مخلوقًا بالحق، وفيه بطلان مذهب الجبرية الذين يزعمون أن أكثر ما خلقه الله تعالى بين السموات والأرض من الكفر والمعاصي باطل.
واعلم أن أصحابنا قالوا: هذه الآية تدل على أنه سبحانه هو الخالق لجميع أعمال العباد، لأنها تدل على أنه سبحانه هو الخالق للسموات والأرض ولكل ما بينهما.
ولا شك أن أفعال العباد بينهما فوجب أن يكون خالقها هو الله سبحانه، وفي الآية وجه آخر في النظم وهو أن المقصود من ذكر هذه القصص تصبير الله تعالى محمدًا عليه الصلاة والسلام على سفاهة قومه فإنه إذا سمع أن الأمم السالفة كانوا يعاملون أنبياء الله تعالى بمثل هذه المعاملات الفاسدة سهل تحمل تلك السفاهات على محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنه تعالى لما بين أنه أنزل العذاب على الأمم السالفة فعند هذا قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ} وإن الله لينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيئاتهم، فإنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق والعدل والإنصاف فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك، ثم إنه تعالى لما صبره على أذى قومه رغبه بعد ذلك في الصفح عن سيئاتهم فقال: {فاصفح الصفح الجميل} أي فأعرض عنهم، واحتمل ما تلقى منهم إعراضًا جميلًا بحلم وإغضاء، وقيل: هو منسوخ بآية السيف وهو بعيد، لأن المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن والعفو والصفح، فكيف يصير منسوخًا.
ثم قال: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق العليم} ومعناه أنه خلق الخلق مع اختلاف طبائعهم وتفاوت أحوالهم مع علمه بكونهم كذلك، وإذا كان كذلك فإنما خلقهم مع هذا التفاوت، ومع العلم بذلك التفاوت.
أما على قول أهل السنة فلمحض المشيئة والإرادة.
وأما على قول المعتزلة فلأجل المصلحة والحكمة، والله أعلم.
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)}
اعلم أنه تعالى لما صبره على أذى قومه وأمره بأن يصفح الصفح الجميل أتبع ذلك بذكر النعم العظيمة التي خص الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم بها، لأن الإنسان إذا تذكر كثرة نعم الله عليه سهل عليه الصفح والتجاوز، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن قوله: {آتيناك سَبْعًا} يحتمل أن يكون سبعًا من الآيات وأن يكون سبعًا من السور وأن يكون سبعًا من الفوائد.
وليس في اللفظ ما يدل على التعيين.
وأما المثاني: فهو صيغة جمع.
واحده مثناة، والمثناة كل شيء يثنى، أي يجعل اثنين من قولك: ثنيت الشيء إذا عطفته أو ضممت إليه آخر، ومنه يقال: لركبتي الدابة ومرفقيها مثاني، لأنها تثنى بالفخذ والعضد، ومثاني الوادي معاطفه.
إذا عرفت هذا فنقول: سبعًا من المثاني مفهومه سبعة أشياء من جنس الأشياء التي تثنى ولا شك أن هذا القدر مجمل ولا سبيل إلى تعيينه إلا بدليل منفصل وللناس فيه أقوال: الأول: وهو قول أكثر المفسرين: إنه فاتحة الكتاب وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة والحسن وأبي العالية ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الفاتحة وقال: هي السبع المثاني رواه أبو هريرة، والسبب في وقوع هذا الاسم على الفاتحة أنها سبع آيات، وأما السبب في تسميتها بالمثاني فوجوه: الأول: أنها تثنى في كل صلاة بمعنى أنها تقرأ في كل ركعة.
والثاني: قال الزجاج: سميت مثاني لأنها يثنى بعدها ما يقرأ معها.
الثالث: سميت آيات الفاتحة مثاني، لأنها قسمت قسمين اثنين، والدليل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» والحديث مشهور.
الرابع: سميت مثاني لأنها قسمان ثناء ودعاء، وأيضًا النصف الأول منها حق الربوبية وهو الثناء، والنصف الثاني حق العبودية وهو الدعاء.
الخامس: سميت الفاتحة بالمثاني، لأنها نزلت مرتين مرة بمكة في أوائل ما نزل من القرآن ومرة بالمدينة.
السادس: سميت بالمثاني، لأن كلماتها مثناة مثل: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 3]. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدنا الصراط المستقيم صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 5-7]، وفي قراءة عمر: {غير المغضوب عليهم وغير الضالين}.
السابع: قال الزجاج: سميت الفاتحة بالمثاني لاشتمالها على الثناء على الله تعالى وهو حمد الله وتوحيده وملكه.
واعلم أنا إذا حملنا قوله: {سَبْعًا مّنَ المثاني} على سورة الفاتحة فههنا أحكام: الحكم الأول: نقل القاضي عن أبي بكر الأصم أنه قال: كان ابن مسعود يكتب في مصحفه فاتحة الكتاب رأى أنها ليست من القرآن.
وأقول: لعل حجته فيه أن السبع المثاني لما ثبت أنه هو الفاتحة.
ثم إنه تعالى عطف السبع المثاني على القرآن، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه وجب أن يكون السبع المثاني غير القرآن، إلا أن هذا يشكل بقوله تعالى: {وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} [الأحزاب: 7]، وكذلك قوله: {وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98]، وللخصم أن يجيب: بأنه لا يبعد أن يذكر الكل، ثم يعطف عليه ذكر بعض أجزائه وأقسامه لكونه أشرف الأقسام، أما إذا ذكر شيء ثم عطف عليه شيء آخر كان المذكور أولًا مغايرًا للمذكور ثانيًا، وههنا ذكر السبع المثاني، ثم عطف عليه القرآن العظيم، فوجب حصول المغايرة.
والجواب الصحيح: أن بعض الشيء مغاير لمجموعه، فلم لا يكفي هذا القدر من المغايرة في حسن العطف، والله أعلم.
الحكم الثاني: أنه لما كان المراد بقوله: {سبعًا من المثاني} هو الفاتحة، دل على أن هذه السورة أفضل سور القرآن من وجهين: أحدهما: أن إفرادها بالذكر مع كونها جزءًا من أجزاء القرآن، لابد وأن يكون لاختصاصها بمزيد الشرف والفضيلة.
والثاني: أنه تعالى لما أنزلها مرتين دل ذلك على زيادة فضلها وشرفها.
وإذا ثبت هذا فنقول: لما رأينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واظب على قراءتها في جميع الصلوات طول عمره، وما أقام سورة أخرى مقامها في شيء من الصلوات دل ذلك على أنه يجب على المكللف أن يقرأها في صلاته وأن لا يقيم سائر آيات القرآن مقامها وأن يحترز عن هذا الإبدال فإن فيه خطرًا عظيمًا والله أعلم.
القول الثاني: في تفسير قوله: {سبعًا من المثاني} إنها السبع الطوال وهذا قول ابن عمر وسعيد بن جبير في بعض الروايات ومجاهد وهي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة معًا.
قالوا: وسميت هذه السور مثاني، لأن الفرائض والحدود والأمثال والعبر ثنيت فيها وأنكر الربيع هذا القول.
وقال هذه الآية مكية وأكثر هذه السور السبعة مدنية.
وما نزل شيء منها شيء منها في مكة، فكيف يمكن حمل هذه الآية عليها.
وأجاب قوم عن هذا الإشكال: بأن الله تعالى أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا.
ثم أنزله على نبيه منها نجومًا، فلما أنزله إلى السماء الدنيا، وحكم بإنزاله عليه، فهو من جملة ما آتاه، وإن لم ينزل عليه بعد.
ولقائل أن يقول: إنه تعالى قال: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} وهذا الكلام إنما يصدق إذا وصل ذلك الشيء إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
فأما الذي أنزله إلى السماء الدنيا وهو لم يصل بعد إلى محمد عليه السلام، فهذا الكلام لا يصدق فيه.
وأما قوله بأنه لما حكم الله تعالى بإنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم كان ذلك جاريًا مجرى ما نزل عليه فهذا أيضًا ضعيف، لأن إقامة ما لم ينزل عليه مقام النازل عليه مخالف للظاهر.
والقول الثالث: في تفسير السبع المثاني إنها هي السور التي هي دون الطوال والمئين وفوق المفصل، واختار هذا القول قوم واحتجوا عليه بما روى ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني المئين مكان الإنجيل، وأعطاني المثاني مكان الزبور، وفضلني ربي بالمفصل» قال الواحدي: والقول في تسمية هذه السور مثاني كالقول في تسمية الطوال مثاني.
وأقول إن صح هذا التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا غبار عليه وإن لم يصح فهذا القول مشكل، لأنا بينا أن المسمى بالسبع المثاني يجب أن يكون أفضل من سائر السور، وأجمعوا على أن هذه السور التي سموها بالمثاني ليست أفضل من غيرها، فيمتنع حمل السبع المثاني على تلك السور.
والقول الرابع: أن السبع المثاني هوالقرآن كله، وهو منقول عن ابن عباس في بعض الروايات، وقول طاوس قالوا: ودليل هذا القول قوله تعالى: {كتابًا متشابهًا مثاني} [الزمر 23]. فوصف كل القرآن بكون مثاني ثم اختلف القائلون بهذا القول في أنه ما المراد بالسبع، وما المراد بالمثاني؟ أما السبع فذكر فيه وجوهًا: أحدها: أن القرآن سبعة أسباع.
وثانيها: أن القرآن مشتمل على سبعة أنواع من العلوم.
التوحيد، والنبوة والمعاد، والقضاء، والقدر، وأحوال العالم، والقصص، والتكاليف.
وثالثها: أنه مشتمل على الأمر والنهي، والخبر والاستخبار، والنداء، والقسم، والأمثال.
وأما وصف كل القرآن بالمثاني، فلأنه كرر فيه دلائل التوحيد والنبوة والتكاليف، وهذا القول ضعيف أيضًا، لأنه لو كان المراد بالسبع المثاني القرآن، لكان قوله: {والقرآن العظيم} عطفًا على نفسه، وذلك غير جائز.
وأجيب عنه بأنه إنما حسن إدخال حرف العطف فيه لاختلاف اللفظين كقول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام ** وليث الكتيبة في المزدحم

واعلم أن هذا وإن كان جائزًا لأجل وروده في هذا البيت، إلا أنهم أجمعوا على أن الأصل خلافه.
والقول الخامس: يجوز أن يكون المراد بالسبع الفاتحة، لأنه سبع آيات، ويكون المراد بالمثاني كل القرآن ويكون التقدير: ولقد آتيناك سبع آيات هي الفاتحة وهي من جملة المثاني الذي هو القرآن وهذا القول عين الأول والتفاوت ليس إلا بقليل والله أعلم.
المسألة الثانية:
لفظة {من} في قوله: {سبعًا من المثاني} قال الزجاج فيها وجهان: أحدهما: أن تكون للتبعيض من القرآن أي ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يثنى بها على الله تعالى وآتيناك القرآن العظيم قال ويجوز أن تكون من صلة، والمعنى: آتيناك سبعًا هي المثاني كما قال: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} [الحج: 30]. المعنى: اجتنبوا الأوثان، لا أن بعضها رجس والله أعلم. اهـ.